.... حياة رجل .....

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتي في الله أكتب لكم اليوم عن رجل أثر في نفسي كثيراً وقد أحزنني فراقه والله ....
الاسم : أبو جاسم . العمر : قرابة 38 سنة .
المهنة : فلاح . المستوى التعليمي : أمي ( لم يدخل المدرسة يوماً ).
الحالة الاجتماعية : متزوج . عدد الأولاد : لم يرزقه الله بأولاد .
أبو جاسم هو رجل كان يسعى ليحصل على لقمة عيشه الحلال لم يكن يعتمد على أحد كان يمضي أغلب نهاره في الأرض يعمل فيها .
وأوقات الفراق يعمل عند الناس كأي عامل أخر ،
وفي يوم ما من أيام الصيف الحارق كعادته كان يعمل لدى الناس في وقت قرابة هذا الوقت إذ كان عمله أيام الحصاد أو أيام جمع الدقيق أو الحنطة منذ سنتين أو يزيد ، وبينما كان يعمل هو ومجموعة من رفاقه جلسوا لتناول وجبة الغداء وكانت هذه الوجبة تحتوي على الكثير من الفلفل إذ أنها أحرقته ولكنه من شدة الجوع لم ينتبه لنفسه فبعد هذه الوجبة بفترة لا تتجاوز الساعات القليلة شعر هذا العامل بتعب شديد مع ألم لا يحتمل حيث أنها قد هيجت المرض عليه .
أخبر رفاقه وترك العمل وعاد إلى البيت لا يكاد أن يصل البيت حتى تأتي زوجته وهي تبكي إلى عمه ( جاره ) إذ أنها قد أخبرته عن حال زوجها الذي كان في قمة الحياء إذ أنه لا يذهب إلى الطبيب خشية أن يضربه حقنة ، فزع عمه وبعض جيرانه وذهبوا به إلى أقرب طبيب
رآه الطبيب وبعد فحص طويل دام لفترة من الزمن قرر الطبيب أنه يحتاج إلى مشفى أسرعوا به إلى أقرب مشفى وبعد العديد من التحاليل والفحوصات والتصاوير وغيرها من ما أجراه له الأطباء وجدوا أنه توجد كتلة سرطانية على كبد أبو جاسم .....
لم تنته الفحوصات لأيام .... كان أبو جاسم في حالة صدمه هو وإخوته الأربعة .... زوجته لم تفارقه لحظة خلال هذه الأيام .
بعد أيام يقرر الأطباء المختصون عملية له إذ أنهم يخرجوا الكتلة من المريض .... العملية مكلفة وأبو جاسم كان يعمل ليحصل على طعامه اليومي ... بداء إخوته يجمعون من الناس الديون التي له ذهبوا به إلى مشفى أخرى في العاصمة رأوا التحاليل والتصاوير طلبوا أن يعيدها
أعادوها وبعد جهد وأيام أيضا قرروا له نفس العملية طبعاً أبو جاسم في هذه الفترة أتعبه المرض وأصبح في حالة يرثا لها .....
تمت العملية بنجاح والحمد لله وعاد أبو جاسم إلى بيته سعيداً في حالة صحية تتحسن مع مرور الوقت ...
كان يزوره دائماً الكثير من الأصدقاء كان محبوب لدرجة إذ انه لم يؤذي نملة يوماً كان له الحق لم يكن عليه كان رجل يعمل بإخلاص ويدعوا الله أن يرزقه بولد يخلفه ...
تنشط أبو جاسم وأصبح يأتي ويذهب يزور أقاربه لا يدع مريض في قريته إلا وذهب إليه إلا أنه لا يستطيع العمل وإجهاد نفسه .....
ومره دعوناه وجاءنا إلى البيت وكان في قمة الفرح بأنه استطاع أن يحضر مع أقاربه ... كنا نسلم عليه لا نخلص من سلامه إذ أنه كان يرحب بنا لدرجه لا توصف ...
وبعد مرور شهور لا أظنها بالكثيرة شعر أبو جاسم بألم وارتفاع في الحرارة وضيق في النفس وغيرها من الأعراض عاد إلى الأطباء الذين أجروا له العملية وبعد العديد من الفحوصات المخبرية والتصاوير الإشعاعية وجدوا أنه قد عادت هذه الكتلة وأنها كانت كتلة سرطانية وأنها صعب الشفاء منها ولكن الأطباء أوهموا المريض وقالوا له أنها ممكن أن تزول بالمعالجة الكيميائية .....
بعد هذه الفترة عندما تنظر إلى أبو جاسمـ تكاد لا تعرفه الوجه شاحب مصفر الجسم متورم الشعر بدأ يتساقط ولم يعد يستطيع السير لفترة طويلة أصبح يتعب بسرعة لا يستطيع أن يعمل شيء أو أن يحمل شيء ثقيل بدون مساعدة .......
بدأ أبو جاسم بأخذ الجرعات الكيميائية كل شهر إذ أنه يذهب إليهم كل شهر وبعد التحاليل والتصاوير يعطوه الجرعة الكيميائية ويبقى في الشام ثلاث ليالي ثم يعود ويبقى تأثير هذه الجرعة لأسبوع ثم يصحوا أبو جاسم ويتغير لونه إذ أنه يتحسن وبعد مضي شهر على الجرعة الكيميائية يختل أبو جاسم إذ أنه يتورم ويتعب و.. و... و .....
كان لا يملك أجار الطريق إلى الشام ، باع تقريباً كل ما يملك من غنم ومحاصيل ومخزون للبيت وغيره ، كان إخوته يعملون في لبنان ولكن بعد الذي حصل لآخوهم لم يذهبوا إلى هناك إذ أنهم يرافقونه لأنه كان كثير الحياء والخجل ...
أبوه كان ذاك الشايب أو ذاك المسن الذي نال الدهر منه عندما قرروا له العملية لم يوافق عليها أبوه وقال له تموت أحسن من أن يشقوك لماذا يقول ذلك ( أظن أنه كان له أخ مريض قرروا له عملية وفي العملية توفى ومنذ ذلك الحين يكره طاري الدكتور أو أية سيرة له إذ انه يفضل أن يموت على فراشه من أن يصل إلى طبيب ) وكان دائماً إخوته يحاولوا أن يجمعوا مع ابنه الكبير أبو جاسم إلا أنهم لا يفلحون مع هذا الرجل الذي طعن في السن ومع عناده أنهم لم يفعلوا ما قال لهم ......
نعود إلى أبو جاسم كيف تتصورون حاله سأخبركم ما رأيته ، الرجل لا توجد على جسمه ولا حتى شعرة واحد إذ أنك تبحث في جسمه عن شعره لن تجد بطنه انتفخت وقدماه تورما لدرجة وأصبح يكثر من الماء والى ما هنالك من الأمور المحزنة ...................
مضت الأيام بسرعة وأصبح أبو جاسم من المرضى المشهورين في المنطقة لا تأتيه يوم إلا وتجد عنده شخص جاء يزوره أحيانا تسوء حاله وأحياناً يتحسن ، أهل الخير جراهم الله كل خير لم يتركوه إذ أنه كانت دائماً تأتيه المساعدة من كل مكان ، ووالده لم يصله أو يزوره منذ أن أجروا له العملية.
كان يوجد في المنطقة مريض مثل حالته تقريباً لم يقف عند علاج الأطباء بل ذهب إلى طبيب يقال له الدكتور محمد الهاشمي . يظهر في التلفاز على قناة الحقيقة كانت حالته المادية جيدة سافر إليه وبقي فترة عنده يعالجه وكان يتحسن الرجل و أقاربه يحثون أبو جاسم إلى الذهاب إليه ....
قرر إخوة أبو جاسم أن يذهبوا به إلى هذا الطبيب وبعد مراسلات عدة مع مكتب الدكتور طلب التحاليل وعدة تصاوير يجريها ويرسلها له إلى الإمارات على ما أظن ...
إخوة المريض لم يكونوا لديهم هذا الرصيد المادي الذي يشجعهم لأن يسافر أبو جاسم إلى الدكتور المذكور فقد كانت ستكلف مبلغاً من المال ...
مع تدهور حالة أبو جاسم وإستجابته التي أصبحة بطيئة للعلاج قررت مجموعة من أقارب أبو جاسم أن تجمع له المبلغ المطلوب وعلى أن يتقاسموه بينهم .......
على الفور وافق الجميع وجمعوا المبلغ وزيادة ، أجروا التحاليل المطلوبة والصور وأرسلوها مع مبلغ معين كان قد طلبوه لإرسال العلاج .
بعد أيام جاء العلاج إلى أبو جاسم تحسن أبو جاسم على العلاج هذا بشكل ملحوظ بدأ يسير لم يكن في الماضي يستطيع السير لوحده ، بدأ يذهب ويأتي ويتسلى مع رفاقه وأحس أنه قد تحسن على العلاج بعد مدة حوالي العشرون يوماً خلص العلاج وبنفس المجموعة قاموا بجمع ما هو مطلوب وإرساله ( جزاهم الله كل الخير ) لكن لم يأتي العلاج إلا بعد قرابة 14 يوم بالتمام ،..
تصوروا إخوتي كيف حال أبو جاسم بعد 14 يوم دون أي علاج ...؟
نال المرض منه ، حالته النفسية تعبت ، كان لا ينام إلا يكون جنبه أحد أقاربه ، كان لا يستطيع المشي ولا أن يقف لوحده وإذا وقف يدوخ أو يشعر بدوار ، تورم جسمه لدرجة كان يسعد كثيييييراً عندما ينام وجنبه أحد أقاربه ، كان يبكي لوحده على نفسه،... وبعد 14 يوم جاء العلاج أخيراً ولكن ....
لم يعد أبو جاسم هو الذي كان في السابق فرح بالعلاج على أمل أنه سوف يتحسن بدأ بأخذ العلاج على مواعيده لكن ....
وبعد فترة لا تتجاوز العشرة أيام شعر أبو جاسم أنه مرض لدرجة ( تقول زوجته التي لم تفارقه لحظة من بداية مرضه أن أصبح يفتح فمه ويغلقة والنفس كان عليه صعب .
أسعفوه إلى أقرب طبيب وضع سيروم له وحوالي 80 إبره فيه على قول أحدهم وبعد عدة ساعات تحسن أبو جاسم وجاء إلى بيت ابن عمه القريب من بيت الطبيب .
يحكي أخوه حمود يقول بدأ يمشي من الشارع حتى باب البيت والمسافة تتراوح بين 15 - 20 متراً يقول ففرحنا وهو أيضاً إلا أنها لم تكتمل هذه الفرحة لم يصل إلى عتبة الباب إلا وقال لأخوة حمود (شاهدني بسرعة ) وارتمى على الأرض يقول حمود بدأت أشاهده بصوت عالي ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ) وهو يرفع إصبعه يقول الشهادة وبقي يقولها حتى مات والناس حوله بكاء شديد يقول وهو يقول الشهادة تثاوب (فتح فمه ) مرة ثم بعدها مرة أخرى طويلة وكانت هي الأخيرة .....
رحمك الله يا أبو جاسم رحمك الله يا أبو جاسم رحمك الله يا أبو جاسم
يقول أخوه بدا البكاء واجتمع الناس حتى ملئوا البيت ، الرجال تبكي والنساء تبكي والصغار من شدة بكاء الكبار أصبحوا يبكون ، ما هي إلا دقائق حتى انتشر الخبر وكما قلت سابقاً كان عند بيت عمه القريب من بيت الطبيب أعادوه إلى الطبيب يرجون منه المساعدة لكنه كان أمر الله ، انتشر الخبر بسرعة فائقة فما هي دقائق إلا وكانت القرية بأكملها تنتظره ( الكبير والصغير ) ينتظر عودة أبو جاسمـ
في بيته الذي لم يكتمل بناءه بعد ، في بيته المتواضع الذي كان يبني عليه أمال كبيره ...
وصل أخيراً إلى بيته بعد صلاة العشاء من يوم الجمعة .،. استقبله الحضور بصوت حزين بصوت بكاء خفيف ولكن عندما أنزلوه من السيارة الى بيته وكشفوا عن وجهه علت الأصوات في صوت واحد وكثر البكاء ، تصور هذا الموقف كم هو محزن ... لا تسمع إلا صوت البكاء وبصوت عالي بحيث أنك تتوتر وترتعش من شدة هول الموقف ...
أنا ممن استطاعوا ان يروا ابو جاسم بعد أن مات ، فعندما تنظر إليه تراه كأنه نائم وهو مبتسم الله يرحمه كانت له ابتسامه مميزه ...
بعد أن وصل الى بيته وبنو له بيت عزاء ذهبنا إلى والده المسن لعله يأتي لير ابنه قبل أن يدفن ،، وصلنا الى هذا الرجل كان لا يدري ما الخبر أحس بانه يوجد شيء عندما دخل عليه أخواه وأبناءه جلس أمامه ابنه الكبير وقال له أنت رجل متدين تشهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله أليس كذلك أجابه نعم أشهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله فقال له وتؤمن بيوم القيامة وتؤمن بأن الله هو الذي خلقنا فال أيضاً نعم قال له ابنه إذا اسمع إن الله هو الذي خلق ابنك أبو جاسم وهو الذي قد أماته اليوم ... الرجل المسن سكت لفترة ثم أعاد ابنه قائلاً إن ابنك الأكبر أبو جاسم قد توفاه الله اليوم ( إنا لله وإنا إليه راجعون ).
تريد تبكي فبكي سنبكي معك تريد أن تنشط وتدعوا له سندعو معك ماذا تفعل سنفعل مثلك أرح نفسك وابكي ما تشاء ... ملاحظه أبوه رجل مريض لا يستطيع أن يقف لوحده أيضاً ).
قال أبوه لا أنا بكيت من عام الأول ( أي منذ سنتين ) راحت مني بس لو إني واصله لبيته و زائره قبل أن يموت ...
عندما سمع قوله أبناءه بكوا كثيراً وأصبح الرجل المسن يلوم نفسه تارة وتارة أخرى يدعوا لأبو جاسم وأخرى يتذكر صفاته الجيدة إذ قال منها أنه لم يغثه يوماً لم يحرق قلبه يوماً لم يزعله يوماً كان دائماً متسامح بار لوالديه و........و...........
حمل الأبناء أباهم وذهبوا به إلى بيت أبو جاسم .... أجلسوه جنب ابنه كشف عن وجهه وبدأ يبكي ويقبله على رأسه ............ موقف يقطع القلب ..........
في هذه اللحظات الكثير من النساء قد فقدن الوعي وأسفن إلى الطبيب ومن بينهن إمرته لم نتكلم الكثير عنها إمرته هي من كانت قد فقدت أبو جاسم عن حق هي من أحببته أكثر من أبيه وأمه هي من واسته عندما مرض هي من سهرة الليالي الطويلة هي من لم تستطع أن تتخيل فراقه من هي ...؟ إنها زوجته هذه الزوجة التي لم تفارق زوجها لحظة واحد ... هذه الزوجة التي سعت جاهدة وبكل ما تملك لإعادته ولكنها لم تستطع .... تخيل أخي مدى حزنها عليه .
كانت تجلس وتقول كلمات والله عندما أسمعها يتقطع قلبي وأتمنى لو أنني لم أعرفهم يوماً أو أنني لم أتي إليهم يوماً أو أتمنى أنني أستطيع أن أحمل عنها كل هذا الحزن ولو لثانيه ... عيناها احمرتا من كثرة البكاء وأظن أنها هي أكثر شخص قد بكي على أبو جاسم .
وفي صباح يوم السبت وحوالي الساعة التاسعة حضر الكثير من الناس حضروا جنازة أبو جاسم كانت جنازته كبيره وقد صلوا عليه وكنت ممن دفنوه رحمه الله . بعد أن انتهينا من دفنه جاءت زوجته تبكي وتقول الله يسامحك دنيا أخره ...
أسف لأنني قد أطلت عليكم ولكن لا أريد أن أترك شيء في داخلي لم أعبر عنه فقد كان أبو جاسم ممن كنت دائماً أزوره عند فراقي وقد احتل جزاً من قلبي ..
اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم نقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم اغسله بالماء والثلج والبر اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة اللهم وسع مدخله وأنر له قبر وأكرم نزله
اللهم ثبته عند السؤال واغفر ذنوبه فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت سبحانك
اللهم إن كان محسناً فزد في حسناته وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه يا أرحم الرحمين
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
وعلى أله وصحبه أجمعين .